قراءه في كتاب الرقائق
كتاب الرقائق للكاتب محمد أحمد الراشد
الرقائق هو الكتاب الثالث لمحمد أحمد الراشد في سلسلة إحياء فقه الدعوة
و أبدأ كتعريف عن الكتاب باقتباس جزء من ماكتب على الغلاف الخلفي :
” مازالت هناك بقية من المؤمنين، كثير في الأقطار عددها ، مرشحة للعودة بالأمة الى اسلامها، اذا انتظمت، و تجردت و تقللت من الدنيا ، و بعدت عن الفتن، و صبرت في المحن ، و أجادت فن القيادة .
و لتربيتها تصدر هذه السلسلة ، تبث فيها الوعي ، و الحماسة … “
في الوهلة الأولى عندما اطلعت على فهرس الكتاب و بعد قراءتي للمقدمة ظننت أنه من نوعية الكتب التي تحث على الجهاد و الجهر بالدعوة و الإنتماء الى الحركات الإسلامية .
و الحقيقة أني كنتُ سأعزف عن قرائته كون نوعية هذه الكتُب لا تروقني , ثم قررت التأني ومنح الكتاب فرصة و الحمد لله أني فعلت ولم أتسرع .
يتكون الكتاب من إثنى عشر فصل :
1- تسبيح يشد الملك
في هذا الفصل تذكير بأهمية المسجد و ضرورة انطلاق الدعوة منه و كيف أن المسجد ليس مجرد بناء قائم لتأدية الصلوات فقط ثم العودة للانغماس في ملذات الحياة .
” من أدام الاختلاف إلى المسجد اصاب ثماني خصال :
آية مستحكمة ، و أخا مستفادا ، و علما مستطرفا ، و رحمة منتظرة ، و كلمة تدله على الهدى ، أو تردعه عن ردى ، وترك الذنوب حياء ، أو خشية “
ألا ترون أن هذا مايحتاجه شبابنا بالضبط !
عندما انتهيت من قراءة هذا الفصل أدركت أن أكبر أسباب ضياع ديننا هو فقدان المسجد لمكانته التي كان عليها فالمسجد كان مجلس علم و مجلس تآخي و مجلس فتوى و كان يشمل كل جوانب حياة المؤمن , فلما جردناه من كل هذه المعاني و أصبح مكان للصلاة فقط ، تاه الشباب و لم يجدوا مايتمسكون به .
2- الدقائق الغالية
في هذا الفصل يُعيدنا الكاتب الى معاني الحياة و كيف تكون دقائقنا ذات قيمة مابين تسبيح و استغفار وذكر و مناجاة لله في الأسحار .
” و لئن توهم الدنيوي جناته في الدينار ، و النساء ، و القصر المنيف ، فإن : جنة المؤمن في محرابه . “
3- الإبتداء
يتناول هذا الفصل أهمية الخطوة الأولى للداعية في طريق الدعوة للاسلام ، و الحقيقة بغض النظر عن الحديث الموجه للداعية فإن الكلام معمم للجميع كمسلمين و جميعنا ندرك أهمية الخطوات الأولى نحو الدين و كيف أن المؤمن الذي لم يثبت أقدامه جيدا على طريق الايمان و لم يحسن بناء أسسه سيكون من السهل انحرافه عن غايته الحقيقية وهنا تكمن أهمية الابتداء , الابتداء بمبادئ ثابته وأسس سليمة لتقوية النفس و تثبيتها و تذكريها دائما بما خلقت لأجله .
“ما محنة الداعية إلا لهوه و غفلته و جلوسه فارغا , و ربما زاد فينفتح له باب من اللغو بعد اللهو”
4- نحو أفراح الآخرة
عن إشغال النفس بالهمم العالية و عدم ركونها إلى ملذات الحياة .
” فلا بد من الجد الدائم ، لأن خواطر الفكر دائمة ، و حركات الجوارح متصلة ، فإن لم يكن الجد معهن دائما : شغلهن ماهو دونه أو ضده ، فيكون الهبوط من بعد استعلاء . “
5- الأخوة شعار دعوتنا
كَم تفتقد أمتنا معنى الأخوة من أجل رفعة الدين وفي سبيل نشره .
” التسبيح في دقائق الأسحار الغالية ، و التعامل الأخوي الايماني : ركيزتان متلازمتان تقوم عليهما الجماعة المسلمة ، و عينان نضاحتان ، تسكبان خيرا للدعاة لا ينضب . “
6- أشجار الإيمان
فصل لطيف جدا عن أشجار مُختلفة , بَعضها من المَعاني وبَعضها شَجر يحمل تاريخا خالدا .
7- حصار الأمل
عن حالنا اليوم وغفلتنا المُحزنة .
” هذه الحياة ، بجوانبها العديدة ، و تبدلات المجتمعات التي تحياها ، قد لا يفهمها جيل المسلمين اليوم من دون الرجوع الى نظرة واقعية لها ، متسمة بالبساطة ، مستقرئة للمحسوس المشاهد منها .”
8- تلالنا الهامدة
9- مدارس الموت
الفصلين تذكير بالآخرة و بوجوب تذكر الموت وعدم الغرق في الغفلة .
” كم من مستقبل يوما لا يستكمله ، و منتظر غدا لا يبلغه ، لو تنظرون الى الأجل و مسيره ، لأبغضتم الأمل و غروره .”
10- لا .. ياقيود الأرض
” لا تتواروا و لا تنسحبوا ، بل سيروا مع الهمم العالية “
11- العبد الحر
” وهذا يعني قيام مفاصلة شعورية و فكرية في ضمير المسلم ، ينفصل فيها التحديد الإسلامي الواضح للمعاني الثلاثة المهمة المكونة لكل منهج ، و هي : معنى الوطن ، ومعنى الحاكم ، و معنى الدستور ، عن الاطلاقات الجاهلية في تفسيرها ، و عما بعد الاطلاق من اختلاف اجتهادات العقول . “
12- قصص من لهو الدعاة
هذا الفصل أكثر فصل أحببته لما فيه من قصص جميلة جدا و مؤثرة .
” حقا ان الهمم مراتب ، و لا تعلو همة في نهايتها و عند موتها الا اذا علت في بدايتها.”
وهكذا ينهي الكاتب الكتاب بطلب أن نترقب اصدار كتاب آخر في السلسلة يكمل مابقي منها .
رأيي في الكتاب :
{كَما قلت البداية كنت مترددة حيال قراءته كونه في الظاهر موجه للدعاة و لتشجيع الدعوة الاسلامية فكان لسان حالي يقول : أيتها الفتاة المسكينة المعزولة عن العالم أخبريني كيف ستقومين بالدعوة للاسلام و أنت لاحول لك ولا قوة !
ثم قررت كتغيير لعاداتي القرائية أن أقرأه
ولدهشتي كان الكتاب شيء مختلف و لمن يتعمق في قراءته سيرى كم أنه خفيف و سهل باقتباساته الكثيرة و أبياته الشعرية و الأمثال و الحكم المتنوعة المصادر .
و ماخلصت اليه من الكتاب أنه إذ لم تكن لك حيلة في الدعوة الى الاسلام فكن أنت دعوة .
كن مثالا جيدا ، بصلاتك بأذكارك بتعاملك و بأخلاقك , لا تعش في غفلة وتذكر لما خُلقت ، ما الهدف من
حياتك ، ألا تود اللحاق بالقوافل التي سبقتك !
أحببت الكتاب بشكل عام و راقتني لغته الأدبية . }
من الإقتباسات التي أحببتها :
“ محنة الداعية المسلم لا تكمن في معارضة الكفر له , ولا في سجنه , وتعذيبه و تجويعه , بقدر ما تكمن في استرخاء همته و التذاذه بالراحة ”
“ فغاية فطرتك هي العبودية.
و العبودية أن تعلن عند باب رحمته قصورك ب “أستغفر الله ” و “سبحان الله” و فقرك بـ” حسبنا الله ” وبـ”الحمد
لله ” و بالسؤال
وعجزك بـ”لاحول ولا قوة إلا بالله” و بـالله أكبر” و باستمداد.
فتظهر بمراتب عبوديتك جمال ربوبيته.”
“ هكذا كالخرفان تماما , يأكلون و ينامون , فيتغوطون , فيعودون الى الأكل , ولاشيء آخر .ـ
تعست حياتهم !!ـ ”
“ و ما اختار أحد الأماني تًقوده إلا كان أثقل ما يكون خطوا , ووجد ثَم السراب الخادع و عَدِم الماء وقت العطش”
“ ان وجود القدوة الإسلامية يعني وجود شخص يدرك الناظر اليه أنه مستقل في فكرته و عقيدته ”
“ فطول الحياة نسبي.
هو طويل جدا , مخيف مظلم للجاهلي.
وهو قصير , هين منير للمصلي .
و حياة الجاهلي ركود مستمر
وحياة المصلي حركة , تزيد صوابا , أو تستدرك اعواجاجا .”
“ فالوقفات سنة من سنن الحياة , وقدر مقدور على البشر , إلا أنها عند المؤمن لن تكون استرخاء و غفلة و تماديا أبدا , بل هي تعتري برهة , ثم تجليها محفزات كامنة , من رصيد ذاتي مجموع أو تراث حكمة مركوز.”
تقييمي للكتاب : 5/4
كتاب من 177 صفحة زاخرة بالمعاني الجميلة و الرقائق التي تحيي القلب و تذكره بأهمية الحياة التي نعيشها .